منذ تاريخ سقوط النظام السوري السابق، تُطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل الأوضاع هناك، لا سيما مع بروز العديد من المخاطر، التي تصب في إطار إرتفاع أسهم الذهاب إلى التقسيم، من منطلق موقف مجموعة واسعة من المكونات الطائفية والعرقية من السلطة الجديدة برئاسة أحمد الشرع.
في هذا السياق، الخطر الأكبر اليوم هو الدور الإسرائيلي، حيث تسعى تل أبيب إلى تقديم نفسها حامية لتلك المكونات التي تشعر بالقلق من توجهات السلطة الجديدة، بالرغم من أن الجميع يدرك أن ما تبحث عنه هو حماية مصالحها الأمنية وتحقيق مصالحها التوسعية في المنطقة، مستغلة حالة النشوة التي تشعر بها، بعد التحولات التي كانت قد سُجلت في الأشهر الماضية.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه رغم النتائج الصعبة في فلسطين ولبنان، إلا أن الأساس، الذي سيكون له تداعياته على مستوى المنطقة برمتها في المستقبل، يكمن بالساحة السوريّة، التي لم تتضح، حتى الآن، وجهة الأحداث فيها، بسبب الصعوبات التي تعترض طريق السلطة الجديدة، التي لا يبشر سلوكها العملي بالخير، بالرغم من أنها مضطرة لتقديم مجموعة واسعة من التنازلات، للقوى الخارجية الفاعلة، بسبب حاجتها إلى الشرعية الدولية.
بالنسبة إلى هذه المصادر، الخطر الأكبر يكمن بالداخل السوري المفكك، لكنها تشدد على أن من الطبيعي السؤال عن الخطوات التي قامت بها السلطة الجديدة، في الأشهر الماضية، على مستوى العلاقة مع باقي المكونات لتفادي ما هو أخطر، لا سيما أن الطابع الطائفي يطغى عليها، لا بل أكثر من ذلك لديها تاريخ طويل من الإنتماء إلى منظمات إرهابية، كانت، طوال سنوات الحرب، تمارس الإعتداءات على تلك المكونات، أو على الأقل تطلق التهديدات بالقتل ضدها.
على الرغم من التحول الكبير في خطاب السلطة الجديدة، بعد وصولها إلى دمشق، إلا أن ذلك لا يمكن أن يلغي المخاوف منها، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو الخارجي، لكنها من الناحية العملية، باستثناء بعض الشعارات السياسية، لم ترسل أي رسالة إيجابية إلى باقي المكونات، فالإنتهاكات، التي يتم تبريرها على أنها حوادث فردية، في الساحل السوري مستمرة، كما أن هناك إعتداءات تعرض لها مسيحيون، في حين تُطرح الكثير من الأسئلة حول العلاقة مع الأكراد والدروز، من دون تجاهل أن هناك فصائل عسكرية سنية تنظر بعين الريبة إلى الخطوات التي تقوم بها.
في هذا الإطار، تلفت المصادر المتابعة إلى أن السلطة الجديدة، من منطلق "الشرعية الثورية"، تذهب إلى مجموعة من الإجراءات التي تظهر رغبتها في السيطرة، حتى لو كان ذلك من خلال تعيين أجانب في مراكز أساسية، من دون أن تقدم أي أفق زمني واضح لما تشير إلى أنه فترة إنتقالية، بينما هي في الوقت نفسه تعمل على تثبيت نفوذها في مختلف مفاصل الدولة، لا سيما على المستويين العسكري والأمني، الأمر الذي يتناقض مع أي محاولة جدية من أجل طمأنة المكونات السورية.
من هنا، ترى هذه المصادر أنه عندما تشعر تلك المكونات، في ظل إنتشار مشاهد الإعتداءات بشكل مكثف، أنها مهددة من قبل السلطة الجديدة، ليس فقط في دورها السياسي بل أيضاً في حياتها، من الطبيعي أن تبحث أي جهة تؤمن لها الحماية، في وقت تقدم إسرائيل نفسها بوصفها الجهة المناسبة لذلك.
في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على أن هذا الواقع لا يمكن تحميل مسؤوليته إلى تلك المكونات، التي لا يزال معظمها يرفض المواقف الإسرائيلية المعلنة، بل إلى تلك السلطة نفسها، أو إلى الجهات التي تقف خلفها، على إعتبار أن سلوكها هو الذي يفتح الأبواب أمام هذا الخطر، في حين تُطرح الكثير من علامات الإستفهام حول قدرتها على تغيير هذا السلوك، خصوصاً أن الوقت لن يكون في صالحها.